هو كتاب ألفه ابن خلدون سنة 1377م كمقدمة لمؤلفه الضخم الموسوم كتاب العبر. وقد اعتبرت المقدمة لاحقا مؤلفا منفصلا ذا طابع موسوعي إذ يتناول فيه جميع ميادين المعرفة من الشريعة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والعمران والاجتماع والسياسة والطب. وقد تناول فيه أحوال البشر واختلافات طبائعهم والبيئة وأثرها في الإنسان. كما تناول بالدراسة تطور الأمم والشعوب ونشوء الدولة وأسباب انهيارها مركزا في تفسير ذلك على مفهوم العصبية. بهذا الكتاب سبق ابن خلدون غيره من المفكرين إلى العديد من الآراء والأفكار، حتى اعتبر مؤسسا لعلم الاجتماع، سابقا بذلك الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت.
يعتبر عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن خلدون من ألمّ رجال الفكر والعلم في عصره، وكان صاحب شهرة واسعة، وقد سبق عصره في أفكاره التي دارت حول علم الاجتماع. لذا كانت مؤلفاته من أهم المصادر للفكر العالمي من زمانه إلى زماننا هذا. وكان من أشهر مؤلفاته كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر من عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، وهذا الكتاب ترجم إلى لغات عديدة. وكان أعظم أجزائه وأشهرها الكتاب الأول الذي نقلب صفحاته والمسمى “مقدمة ابن خلدون” ضمنه صاحبه قواعد فلسفة التاريخ والاجتماع، ونقد فيه الذين سبقوه وبيّن عيوبهم، ثم وصف تطور الأمم من البداوة إلى الحضارة، وترقي الشعوب في الاجتماع والدين والسياسة والاقتصاد والعلوم والفنون، وتكون الدول ونموها وانهيارها، وطبائع أهل البدو والحضر وما إلى ذلك، كل ذلك بطريقة متسلسلة وأسلوب منطقي، وتعبير سائغ سهل لا تكلف فيه ولا تقيد بسجع أو بديع، بمعرفة لا حدّ لها ونظر ينفذ إلى الأعماق، وتفهم صحيح لحقيقة الوجود الاجتماعي.
عبقرية ابن خلدون رسالته في تاريخ العالم ومظاهر عظمته فيما خلّفه من آثار وبصمات في عقول العلماء وخاصة في مقدمته، والتي أنشأ فيها علماً جديداً وهو ما يسمى الآن علم الاجتماع أو السوسيولوجيا وأتى فيها بما لم يستطع أحد من قبله أن يأتي بمثله، بل عجز كثير ممن جاء بعده من الأئمة والباحثين وعلماء الاجتماع أن يصلوا إلى رتبته. وهذا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على رسوخ قدمه في كثير من العلوم، حتى لم يغادره فرع من فروع المعرفة إلا ألمّ به ووقف على كنهه. وتتوضح نقاط المقدمة الأساسية في عنوانها، فهي بحث تمهيدي للمعالجات الواسعة التي ضمتها مؤلفات ابن خلدون اللاحقة، أي أنها تقع بالنسبة للعمل قبل المقاطع الأخرى بل تتعلل أولوياتها بشكل أساسي بالنتيجة المنطقية التي تتركها على بنية البحث التالي ذاتها. وهذا يفترض فيها مبتدأ في النحو لأي خبر، والواقع أن التاريخ هو خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم.
التعليقات
مسح الفلاترلا توجد مراجعات بعد.