الشباب هو الفرص والحظوظ، الطاقة وتلمّس الطريق من خلال خوض التجارب. إنه رحلة الفضول والحقل الذي تزهر فيه الأحلام وتلوح فيه الاختيارات المصيرية مترددة وخجولة. إنّ سنوات الشباب معجزة، فهي السلاح الإنساني الوحيد القادر على الجمع بين المتناقضَين: الاندفاع وبناء الكينونة. في مثالنا الذي نقدّمه من خلال هذا الكتاب الاستثنائي لن يعود هناك مجال للتطرق إلى الاختيار إلّا على طريقة سارتر وبحسب نمط تفكير سيمون دي بوفوار: الوجود يسبق الجوهر، فنقول، ونحن إزاء سيرة الأربعين، سنّ النضج والأشياء، أي السنّ التي ينبغي ألّا يكون تحديد المصير والانتقال إلى تجسيد الاختيارات قد تأخّر فيها أكثر من ذلك، إننا سنقرأ سيمون دي بوفوار وسارتر ما بعد الحرب، تحديدا بين سنة 1944 و 1962، وقد جاوزا الأربعين أي بعد انتقالهما من تحصيل المعنى إلى مرحلة صنع المعنى، من التعثر إلى الحسم، من اليد المرتعشة إلى الجسارة، حيث يصبح سارتر من أبرز المؤثرين على الفكر على الصعيد العالمي وتغدو “دي بوفوار” واحدة من أهم وأشجع الأصوات النسائية، الأمر الذي جلب لهما العار هنا والمجد هناك، الكراهية والاحترام.
كتبت دي بوفوار – التي نالت «جائزة غونكور» عن روايتها «المثقّفون» التي تناولت فيها الحياة الشخصية لفلاسفة وأصدقاء لها – سيرتها الذاتية ونشرتها خلال سنوات متفرقة ضمن أربعة كتب؛ هي “مذكرات فتاة رصينة” (1958)، و”قوة العمر” (1960)، و”قوة الأشياء” (1963)، و”كل شيء قيل وانتهى” (1972) وفي قوة الاشياء تتناول الخلاف بين كامو وسارتر وعلاقتهما بالاتحاد السوفيتي وكوبا.
التعليقات
مسح الفلاترلا توجد مراجعات بعد.