جديد
يتناول هذا الكتاب قصة من أزهى وأطول، وبالتأكيد من أفدح وأقسى، قصص التاريخ العربي والإسلامي. إنها قصة الخلافة العباسية، التي امتدت أحداثها ووقائعها لما يقرب من ستة قرون ويزيد. فمن طموحات التأسيس وأحلامه، إلى لعنات الانهيار وفجائعه، عاشت بغداد، بوصفها مركزا للأحداث، وعاصمة للإمبراطورية العباسية التي لا تغيب عنها الشمس، أزهى عصورها الغابرة. فها هي مجالس الطرب والغناء ومطولات الشعراء وفرائد النثار، ومصنفات الفلاسفة والفلكيين والكيميائيين والأطباء، تقف جنبا إلى جنب مع قصور الخلفاء الشامخة، برياضها ونوافيرها، وبواباتها الشاهقة، وأسوارها المنيعة.
وتأتي أهمية هذا الكتاب، ليس فقط من استعراضه تاريخا شديد الأهمية والحساسية في عمر الحضارة الإسلامية في واحد من أزهى وأطول عصورها، فربما قال قائل “إنما هي بضاعتنا ردت إلينا”، بل إن المستشرق والمؤرخ البريطاني “هيو كينيدي” نفسه يعلن في مقدمة كتابه، أنه اعتمد فيه على ثلاثة مصادر رئيسية من أمهات كتب التاريخ العربية المشهورة. وإنما تأتي أهمية هذا الكتاب، إلى جانب مركزية موضوعه وحيويته وصدقيته في كثير من فصوله وسردياته من الكشف عن طبيعة الانتقاء والتخير التي انتهجها كاتب غربي في نظره وقراءته لتاريخنا وحضارتنا العربية الإسلامية التي كانت في أوج سطوعها ذات يوم. بالإضافة إلى أن نقل وترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية في هذه الطبعة الفريدة قد جاء بلغة بديعة وواضحة وسلسة، رغم ما اعتوره الأصل الإنجليزي من مصطلحات تاريخية وعلمية دقيقة، ربما صعب فهمها على كثير من القراء والدارسين. ناهيك عن جهود المترجم الحثيثة في إعادة الشواهد الشعرية إلى أصولها العربية، وتحقيق نسبتها إلى كتابها، وهو أمرغاية في الصعوبة كما يعلم المتخصصون في هذا المضمار.
وأخيرًا فإن اختيار بغداد علمًا ودليلا ورمزا على هذه الحضارة التي كانت، وفي عنوان هذا المؤلف، لهو أمر جدير بالتوقف عنده طويلا، فسلامًا على هذه المدينة الخالدة حيث كانت، وحيث تكون، وحيث ستكون زاهرة وظاهرة برغم كل شيء، في كل وقت وحين.
التعليقات
مسح الفلاترلا توجد مراجعات بعد.