قرأت رواية «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي وأنا جالس أمام بركة السباحة في فندق سامرلاند في بيروت.
بعد أن فرغت من قراءة الرواية، خرجت لي أحلام من تحت الماء الأزرق، كسمكة دولفين جميلة، وشربت معي فنجان قهوة وجسدها يقطر ماء….
روايتها دوختني. وأنا نادرًا ما أدوخ أمام رواية من الروايات. وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق، فهو مجنون ومتوتر، واقتحامي، ومتوحش، وإنساني، وشهواني.. وخارج عن القانون مثلي. ولو أن أحدًا طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر، لما ترددت لحظة واحدة….
هل كانت أحلام مستغانمي في روايتها (تكتبني) دون أن تدري.. لقد كانت مثلي تهجم على الورقة البيضاء، بجماليةٍ لا حد لها .. وشراسةٍ لا حد لها .. وجنون لا حد له….
الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور .. بحر الحب، وبحر الجنس وبحر الإيديولوجية، وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها ومرتزقيها، وأبطالها وقاتليها، وملائكتها وشياطينها، وأنبيائها وسارقيها ….
هذه الرواية لا تختصر ذاكرة الجسد فحسب، ولكنها تختصر ذاكرة الوجع الجزائري، والحزن الجزائري، والجاهلية الجزائرية التي آن لها أن تنتهي….
وعندما قلتُ لصديق العمر سهيل إدريس رأيي في رواية أحلام، قال لي : لا ترفع صوتك عاليا .. لأن أحلام، إذا سمعت كلامك الجميل عنها، فسوف تُجَنّ….
أجبتُه دعها تُجَنّ.. لأن الأعمال الإبداعية الكبرى لا يكتبها إلا مجانين!
لندن ١٩٩٥/٨/٢٠
نزار قباني
التعليقات
مسح الفلاترلا توجد مراجعات بعد.