جاء هذا الكتاب “حول العقل والعقلانية العربية” للدكتور حسام الآلوسي مثالاً رائداً في التحليل الفكري والفلسفي للعقل العربي في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ أمتنا العربية في مواجهة العولمة وغطرسة القطب الواحد. حيث تناول بالتحليل مباحث هذا الكتاب في فلسفة وإشكاليات الفكر العربي وطرق معالجتها، فقد جاء في بحثه “إشكالية العقلانية في الفكر العربي” والتي أخضعها إلى مسلمات ثلاث، الأولى أنه لا توجد عقلانية مطلقة غير منتمية إلى واقع وغير محددة بزمن وأحداث وظروف. بل إن “العقلانية” هي دائماً عقلانية معاشة ومكونة تاريخياً.والمسلمة الثانية أن “عقلانيتنا” المكونة تاريخياً والمعاشة إلى اليوم ومهما كانت في أعلى مستوياتها، هي عقلانية مختلفة عن الدين في المنهج، وربما في جزئيات من الطروح الدينية، إلا أنها في المضامين والموضوعات تكاد تكون واحدة، وأن هذه العقلانية لاهوتية مثالية، روحية وتوقية مطلقية.والمسلمة الثالثة، إن العقلانية العربية الإسلامية قد تكونت عبر التاريخ بنية عضوية متماسكة ذات سمات وخصائص قوية مستمرة الوجود.
وهي أن تكون عقلانية تكاملية تعددية. ذات مستويات مختلفة ورؤى تعددية وفكرية في جو تعايشي حواري تتساوى فيه الفرص. وخلص في هذا المبحث إلى ضورة الالتفات إلى حقيقة الصراع الدائر اليوم، وهو ليس صراعاً فكرياً دينياً في الأساس، بل هو صراع اقتصادي استعماري.واستعرض الآلوسي النشأة التاريخية لتكون العقلانية العربية وإلى اليوم وتوصل إلى وجوب اشتراوفي موضوع “الفلسفة والعلم تكامل لا تضاد” بين الكاتب طبيعة الحقيقة الفلسفية ونظرتها الشمولية للأشياء، بينما العلم يعتمد على الفرضية والإثبات، وأوضح تكاملية العلم والفلسفة، وأنه آن الآوان للأخذ بالمنهجين معاً دون أن يحل أحدهما محل الآخر، حيث أن منطق العقل وحقائق الواقع أمران غير متعارضين. إن الفلسفة لها مكانتها الخاصة بجانب العلم، كما أن العلم يستفيد من الفروض والطروح الفلسفية. فالفلسفة هي علم المعرفة وعلم القيم.وتناول الدكتور الآلوسي بالتحليل “الفلسفة في الفكر العربي المعاصر” من خلال عرض لتاريخ الحركة الفلسفية العربية وتطورها، بإيراد أهم الاتجاهات حول أصالتها أو عدم أصالتها، وخلص إلى وجود فلسفة عربية، كما أن الساحة الفلسفية العربية تشهد وجود عدد كبير من المحتكمين إلى العقل والعلم والتجريبية، وما شئت من فلسفات تقوم على العقلانية والسببية والحتمية. وأنه بالإمكان الوصول إلى إبداع فلسفي عربي حديث، لا يقبل الشك والتردد، متى توفرت الظروف الكافية، وهذه الفترة قطعت أشواطاً لا بأس بها للآن.أما في موضوع البنية والعلاقة فقد خلص إلى أن البنية وليس العنصر البسوتناول الدكتور الآلوسي موضوع الاستشراق ودارسيه واستعرض في بحثه جميع أفكار وآراء الكتاب العرب والأجانب الذين كتبوا في هذا الموضوع، وبين بالتحليل وجهات نظرهم على اختلافها وأوضح أننا قد استفدنا من الاستشراق، المقابل فإن المستشرقين استفادوا باطلاعهم على فكرنا وتراثنا وحضارتنا ونقلوا عنا الكثير. فالعقل العربي هو مجموع كل النشاطات والمذاهب والتلونات في كل الميادين، ميدان العقيدة واللاهوت والفلسفة والتصوف والفقه والنحو واللغة والعلوم الموضوعية، وهو منتج كل العلوم الهائلة كماً ونوعاً.وأوضح المؤلف أن هذا العقل الكلاسيكي، سواء فترة ازدهاره أو بعدها إلى مطلع النهضة العربية الحديثة، قد أدى دوره كاملاً ضمن مرحلته عالمياً، وضمن ظروف المجتمعات والإنسان آنذاك. وضمن وضع الإنسان الاجتماعي والمعرفي والتكنولوجي الآن.
التعليقات
مسح الفلاترلا توجد مراجعات بعد.