ومن هذه اللحظة البدئية التي اطلق عليها د. زهير صاحب “ عصر الكهوف “ حيث قدم فحصاً دقيقاً ورسم مشهداً مبكراً محكوماً بالضبط عرض المشهد البشري الذي اتضح مكشوفاً في مرحلة الكهوف التي تمثل لحظة بدئية لما ابتكره الأفراد ولكنه مقيد بزمان ومكان لفك مغاليق الجدل بين الحضارة والفن، علينا أن نكون بدايتنا بأقدم العصور التي شهدت الابداعات الفنية في التاريخ الانساني.. حيث كانت التجارب الفنية للكائن البشري هي الرسوم التمثيلية لما هو موجود بالطبيعة مع سيادة علامات ورموز هي وسائل التداول والتواصل بين الأفراد. وتمثل هذه اللحظة التاريخية عتبة بدئية ابتكر فيها الانسان آلية التفاهم الاشاري، قبل عتبة اختراع اللغة. لذا بإمكاننا أن نتعامل مع الرسوم والاشارة المرسومة على جذوع الاشجار وداخل الكهوف باعتبارها تعبيراً مادياً مع ظهور الاختلاف بسبب تباين درجات التأثر وتمثيل المرئي وتطويعه عبر الرموز.
حتى يومنا هذا بقينا نؤمن بأن الفنون هي ملاذنا الذي لن يطاله رجل العلم. لقد ظننا بأن الفنون هي مجال الحركة بعينها كما قال شتراوس واهتمت الدراسات الانثربولوجية الحديثة بالتحقق من الرسوم الفنية المنتشرة وسط الكهوف على الاحجار والعظام وجذوع الأشجار، حتى حصل التعامل معها بوصفها ابداعات جوهرية، خضعت لديمومة بقاء وسيرورة التحولات التي حازت تطوراً واضحاً، من هنا ركزت دراسات الفن ومتابعات الفن القديم على وجود متماثلات بين المتروك الفنية المتروكة والانجازات التي تحققت في العصور المتأخرة، لأن العقل الحديث لا يقوى على تجاهل كل ما ظل موجوداً، بل ذهب بحماس لتوظيفه والانشغال به وذلك لحيوية المتروك الجوهري والذي كان وسيظل بتأثيره البالغ المعبر عنه بالتأثير عبر بروز الرموز والعلامات والدلائل الكاشفة عن حيوية الكائن البشري وامكاناته العالية في ولعه بالتطور. وذهبت دراسات الفن والجذور الحضارية الى الانتباه لأهمية بدايات التدوين عبر العلامات والاشارات والتي هي عتبة بدئية لنوع من الكتابة التي اخترعها الانسان ليجعل من حياته عظيمة وقابلة للفهم وحاضرة للتداول ن وفي مثل هذه العتبة، كان الجهد الانساني بمستوى رفيع ودل على حضارة كبرى وأشار ليفي شتراوس الى انه يمكن ادخال أحد المكتسبات الجوهرية للثقافة، والذي هو بحد ذاته شرط كليانية المعرفة والتعرف على الحضور والاستخدام الجوهري كما كان ماضياً، وتوصلنا له عبر الحدس هو الدال المركزي على الحضارة وقوتها. وهذا الحدس الكاشف على أوليات التدوين الذي أشرنا له قبل الآن يعني بأنه الفتح الكبير للحظة التدوين التي أضفت صفة مغايرة لما كان سائداً أنه عصر الكتابة، أعظم لحظة حضارية ذهب اليها الكائن البشري تدريجياً.
التعليقات
مسح الفلاترلا توجد مراجعات بعد.