خلافًا لما يتوقعه القارئ بناءًا على العنوان من إنصات لبيواغرفية بائع الكتب .. فالكتاب عبارة عن حالة توثيق شاملة لبيوغرافية المجتمع الأفغاني و إقتفاء لعاداته وتقاليده و رصد للتغييرات التي تنطوي عليها بلد مهمش و متكتم كأفغانستان ذو الأكثرية المسلمة الذي تعاقبت فيه الأنظمة و تناقلت السلطة في فترة متقاربة من نظام لنظام مما أدى لتدني مستوى معيشي على كل الأصعدة ، و بيوغرافية الفرد جزء لا يتجزأ من بيوغرافية المجتمع لذلك أعجبتني المناصفة اللامتوقعة التي استفاضت في ذكرها سييرستاد .
بطبيعة الحال البيوغرافيا تحتاج قاعدة أرشيفية صلبة وموثوقة لذلك أعتمدت سييرستاد على أحتكاكها المباشر و معايشتها اليومية _ لمدة ثلاث أشهر_ لعائلة بائع الكتب العصامي الليبرالي سلطان خان و ما عاناه شخصيًا في سبيل الإرتقاء و التمسك بصنعته هذه لحدٍّ بلغ الضرب والسجن و تخريب الممتلكات و محاولة قمع الحرية الثقافية و الفكرية .
و رغم أن سلطان يدرج لقب الليبرالية بأسمه في الكتاب لكنه كالناظر من علٍ لمبادئ الليبرالية دون تطبيق فعلي ، فهو لا يؤمن لأولاده أبسط الحقوق كالتعليم بل يستغلهم لتزيد أرباح تجارته و تزدهر دون حسبان لمستقبلهم ، يصعب فعلًا تخيل رجل مثقف و واسع الاطلاع و مستميت في سبيل الحفاظ على مكتبته يتعامل مع اولاده بهذا الأسلوب و مع أهله بنزق و تذبذب و تناقض ليكون اول خصوم ذاته ، إذ تلا هذه التعرية لباطن حياة هذه العائلة تزعزع جلي كما قرأت ذات مرة مما ترتب عليه إنفصال سلطان خان عن عائلته و التشهير بخصووصياتهم ، و سلطان خان هو الاسم المستعار للشخصية الحقيقية ل ” شاه محمد ريس” و هو كما أوضحت الصحفية شخصية غنية عن التعريف في مجتمعة وتحاشيها لذكر اسمه الصريح لم يجدي كما يبدو ، و انتقادًا منه وسخطًا على ما أسماه بتزييف الحقائق استدعى الصحفية أمام القضاء و قد قام بتأليف كتاب أسماه ( كان يا ما كان بائع الكتب في كابول ) فنّد من خلاله كل ما سبق و ذكرته الصحفية في كتابها .
أحاطت سييرستاد بأسلوبها السردي الممتع بالعديد من الظواهر في المجتمع الأفغاني و سلطت الضوء عليها بشكل جميل أبرزها كان طوبيا المساواة الإنسانية و النسوية اللاموعودة على ما يبدو على أرض أفغانستان رغم نبرة التفاؤل المستقلبية التي أوحت بها الكاتبة ، فما يعانيه المجتمع بشكل عام و ماتعانيه المرأة في أفغانستان بشكل خاص من تعنت الرجل و تهميش وتبعية يحتاج جهود جبارة ليتزحزح ولا زال السؤال يطرح ويكرر نفسه كيف لهذه الدولة العالمثالثية أن تتحرر من قيودها ؟
( أقدم الشيوعيون على إحراق كتبي، ثم جاء المجاهدون بعد ذلك لتخريب المكتبة ونهبها، وأخيرًا أكملت جماعة طالبان إحراق ما تبقى مرة جديدة)
سلطان خان
التعليقات
مسح الفلاترلا توجد مراجعات بعد.