على امتداد التاريخ الإنساني شهدت البشرية ظهور الكثير من الفلسفات . بعض هذه الفلسفات ظهرت ثم سرعان ما انطفأ وهجها ، وتلاشى بريقها ، وتضاءل تأثيرها ، وتحولت إلى مجرد موضوع من مادة تدرس لطلاب الفلسفة . ولكن بعض الفلسفات ظهرت ، ثم كتب لها البقاء ، وكلما مر عليها الزمن ، لم تزدها الأيام إلا بريقا ولمعانا وتأثيرا . وتأتي الفلسفة المثالية في مقدمة هذه الفلسفات ، التي كتب لها الخلود . وربما لا نبالغ إذ نقول إنه ما من فيلسوف ظهر بعد هذه الفلسفة إلا وتأثر بها ، ونهل منها ، فأضاف ، أو طؤر ، أو خرج عليها ، واتخذ لنفسه فلسفة مغايرة ، وإن كان تأثيرها عليه ، حتى رغم ذلك يبدو واضحا . وربما يعود سبب استمرار هذه الفلسفة وتأثيرها حتى يومنا هذا هو جعلها أساس الحقيقة الأول غير مادي ، بل عقلي صرف بالضرورة واستحالة وجود الفكرة في المادة ، ومن ثم كان ارتباط المثالية بالأفكار وبالعقل . فالمثالية ترجع كل وجود إلى الفكر أو العقل . وهذا ما كتب لها البقاء . وفي هذا الكتاب سنتناول ظهور هذه الفلسفة ، ونشأتها على يد الفيلسوف اليوناني أفلاطون الأب الروحي للفلسفة المثالية ومؤسسها ، ومرتكزاتها الأساسية ، ومدارسها التي ظهرت بعد أفلاطون كالفلسفة المثالية المحدثة ، والفلسفة المثالية الذاتية . كما نتناول في الكتاب موقف هذه الفلسفة من المادة والكون والوجود والدين والنفس والروح والمعرفة . كما سنتطرق لأشهر أعلام هذه الفلسفة كأفلوطين تلميذ أفلاطون ، وهيجل ، وفيشته ، وشلنج ، وبيركلي ، وهابرماس ، ورويس ، وهوسرل . ثم ننتهي إلى نقد الفلسفة المثالية في فصل مستقل . هذا الكتاب يتناول أقدم وأشهر وأكثر الفلسفات تأثيرا في التاريخ ، والتي كانت منعطفا مهما وحاسما في مسيرة الفلسفة بوجه عام .