جديد
لا شيء من بين جميع الإنجازات العظيمة التي عادت بالنفع على البشرية يتفوق على اختراع الكتابة، هذه الوسيلة الرائعة التي نعدها جميعاً أمرا مفروغا منه، وقد ظهرت بقدر ما يعلمنا علم الآثار في قلب بلاد ما بين النهرين القديمة، بين نهري دجلة والفرات، أرض العراق اليوم لأول مرة، فكانت، كما تبلورت خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد، نظاماً رائعاً من العلامات الموحدة التي تحفظ صوت الكلمات واللغة و”نعيد قراءتها” وفهمها، كان ذلك يعني، فجأة، أنه يمكن تسجيل الأفكار والخبرات ونقل المعرفة والحفاظ على التاريخ، فلقد انتهى عصر ما قبل التاريخ. بدأت الكتابة في بلاد ما بين النهرين بعلامات تصويرية بدائية، وتطورت إلى رموز مسمارية كاملة على شكل إسفين، مطبوعة على الواح، مصنوعة من الطين من ضفاف نهري دجلة والفرات، ولم يمر وقت طويل، حتى تمكن هذا النظام المرن القابل للتكيف من توصيل المفردات والقواعد، وتركيب الجمل للغتين المتميزتين المستخدمتين معاً في بلاد ما بين النهرين: اللغة السومرية القديمة، وهي أقدم لغة معروفة، لا علاقة لها بأية لغة، والأكدية القديمة، وهي لغة سامية مرتبطة بالعبرية والعربية الحديثة.
أصبحت اللغة الأكدية لغة منتشرة بمرور الوقت، واستخدمت في بلاطات ملوك الألفية الثانية قبل الميلاد، واعتمدت كتابتها المسمارية في لغات الشرق الأوسط القديمة الأخرى: العيلامية والحثية والحورية والأورارتية. كانت الكتابة المسمارية على الألواح شائعة، في العراق الوطن الأم لأكثر من ثلاثة آلاف عام، فتحتوي المتاحف ومجموعات الألواح الأخرى على قوائم كلمات وقواميس سومرية وأكدية، في السرد والشعر، والسحر والطب، والرياضيات، وعلم التنجيم، وعلم الفلك، والكتابات التجارية والإدارية، وشؤون الحياة اليومية الأخرى. والألواح المسمارية غنية بالمعلومات، ومثيرة للاهتمام، وتستحق التقدير، وفي بعض الأحيان تقدم وثيقة واحدة معلومات جديدة، يمكن أن تغير نتيجة بحوث متراكمة لسنوات، مثل اللوح الذي هو موضوع هذا الكتاب.
التعليقات
مسح الفلاترلا توجد مراجعات بعد.