جديد
حرم من كل شيء بما لكلمة الحرمان من معنى واسع في فهمها وتفسيرها ، سار في الحياة حائراً ثائراً منتفضاً على كل أشكال الجهل والتسلط والتعسف والقمع والقهر ، فَقَدَ نِغمة النظر في عينيه ، خسر حركته الجسدية في السير على قدميه، أرقده المرض على الفراش مقيداً بسلاسل الداء، دونما رعاية أو عناية إنسانية، عدا الإلهية…
رافقته المصائب أينما ذهب، لاحقته النوائب أينما هرب، أينما حلّ استقبلته المتاعب وقارعته النوازل، حلت به المظالم ، لا هو مرتاح ولا منشرح ، لا هو مسرور ولا منتهج، بل كاظم للغيظ مكتئب دائماً.
ما أقساك أيها القدر ! تحرم دون رأفة ، وتأخذ دون رأفة ، حتى أضحى بعض الناس أضاحي وقرابين على قوس اللاعدالة البشرية.
محمد كان منكوداً منذ اليوم الأول لولادته، لاقته الحياة بغير ترحاب حين فتح عينيه عليها، وكأنه غير مرغوب في ربوعها، لكنه وبرغم قسوتها عليه، لم يتأفف منها برغم كل ما حرمته على امتداد حياته، ولم يكن متعلقاً بها، ولم يحاول يوماً التخلص منها ومغادرتها إلى الآخرة، بل كان محاولاً مقاومة كل عثرات الزمن مهما علت وكبرت.
… سائراً شامخاً مرفوع الرأس مهما نالت منه سهام المصائب والمذلات، لاعتقاده أن الحياة تخلو من لذتها بدون مقاومة شدائدها و نوائبها ، وهذا ما كان دائماً يرنو إليه عند كل طعنة في الظهر ، دون أن يدري من أين أتته ، لا يخاف مما ينتظره في قادم الأيام، علماً أنه كان ضعيف الجسد، قليل الحيلة قصير اليد من المال، فقد عاش من مردود مادي قليل بالكاد كان يكفيه مع أولاد أخيه وأمه. كان مكروهاً من النافذين في قريته ، محارباً من أهل السلطة والتسلط المُتَحلين برموز السيطرة على الآخرين، لكن في المقابل كان رحب الصدر، قوي الإرادة، كبير الإيمان، كثير الأحبة من الفقراء أمثاله، ومن المثقفين والشعراء والأدباء. شديد الوفاء، عزيز النفس ، ثقته بقدره كانت كبيرة الى حد لا يوصف، ظهر ذلك جلياً في كل “مجريات ” حياته اليومية ، يتقبل مصابه وطعناته بصبر قل نظيره ، حتى إنه كان يعتبر كل ما يتعرض له من نوائب شيئاً طبيعياً وجزءاً من حياته اليومية، ولا ريب في ذلك.
كان محمد إنساناً مكتنزاً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ملتصق بالصفات الإنسانية، حياته متميزة عن سواها على وجه الأرض قاطبة: شجاعاً في مواقفه ، زاهداً بالدنيا ، واثقاً في قراراته، واضحاً في رؤيته، صارماً في تعامله مع الماكرين والمخادعين وأهل السوء. التقشف والبساطة ، حب الله والإيمان به وبالآخرة، حب الخير للجار وأهل الحي والقرية والوطن والأمة ، هذا ما كان يميزه عن غيره من أبناء الديار.
التعليقات
مسح الفلاترلا توجد مراجعات بعد.