جديد
كان الأستاذ العلامة جوستاف فون جرونيباوم أحد أولئك المستشرقين الذين هفت نفوسهم إلى دراسة الإسلام، فأخذوا يقلبون فيه الفكر ويمعنون فيه النظر، وإذا هو ينتهي إلى نتيجة اعتقد أنها خلاصة لكتابه هذا، هي أن العرب أعطوا العالم الإسلامي وما ينزله من بلاد الشرق قرآنه ولغته وعقيدته، ثم تناولوا ما بتلك البلاد من ثقافات وحضارات قديمة فامتصوها وهضموها وأخرجوها للناس في قالب عربي رائع أخاذ، كادت تخفى فيه معالمها الأصلية وأصلها الغريب.
لقد حمل العرب الأمانة عندما جاء دورهم في التاريخ، ولئن تناولوا المشعل وحملوه كما حملته سائر الأمم من قبل فإنهم أضافوا إليه أضعاف ما أخذوا منه، وزادوا عليه من وهج العقول وضياء الفكر ما يشهد به هذا الكتاب، بل يشهد به التاريخ نفسه.
نشأ هذا الكتاب من سلسلة من المحاضرات العامة، ألقيت في ربيع سنة 1945، بقسم الدراسات الكلاسيكية بجامعة شيكاغو. وهو يهدف إلى الإحاطة المجملة بالاتجاه الثقافي للعصور الإسلامية الوسطى، مع قَصْر الاهتمام على الإسلام ببلاد المشرق. ويحاول الكتاب أن يصور رأي مسلم العصور الوسطى في نفسه وفي عالمه ذي التحديد الخاص، وأن يبين الاتجاهات الأساسية العقلية والعاطفية، التي كانت تتحكم في أعماله، والحال النفسية التي كان يحيا فيها حياته. وهو يحاول جاهدًا أن يفسر النسيج الذي ركب منه عالمه من حيث العناصر الموروثة والمنقولة والأصيلة المبتكرة، وإطار النُّظم التي كان يعمل في كنفها ويدور في فلكها، ومكانه بالنسبة إلى العالم المسيحي المعاصر له.
التعليقات
مسح الفلاترلا توجد مراجعات بعد.