تشير كلمة “الملحمة” إلى القصائد المطولة التى تتناول التاريخ الأسطوري للأمم، وما فيه – في غياب الديانات والنظريات العلمية وحيث تنتشر الخرافة – من أساطير وقتال بين الآلهة” كما في معتقداتهم “الوثنية”. وبسبب ارتباط الملحمة بالأسطورة فقد بحث الدارسون طيلة القرون العشرين الماضية على الأقل في كيفية نشوء الأساطير وذهب بعضهم إلى أن البداية كانت على شكل حوادث تاريخية تم تحريفها بمرور الزمان ويرى غيرهم أن الأساطير نشأت نتيجة محاولة الناس تفسير أسباب حدوث الظواهر الطبيعية ، التي عجزوا عن فهمها وهناك نظريات أخرى حول هذه الظاهرة ، لكن لا يجيب أي منها عن الأسئلة التي تثار حولها رغم أنها تسهم إلى حد ما في فهم الموضوع.
ورغم انقضاء عصر الخرافات، وظهور الديانات والنظريات العلمية، وتحول البشرية إلى مرحلة ما بعد “الأسطورة إلا أن الملاحم المبنية على الخرافات و الأساطير لا تزال محور اهتمام العالم حتى يومنا هذا، لما فيها من سحر وغموض وأجواء من المتعة والإثارة، ومن هنا كان التفكير – عزيزي القارئ – في هذه السلسلة التي تحمل عنوان “ملاحم خالدة”، وتتكون من ثلاثة كتب، والتي نبدؤها الآن بهذا الكتاب، الذي يتناول ملحمتي هوميروس الخالدتين خلود الدهر “الإلياذة” و “الأوديسة”. وتروى ملحمة “الإلياذة” قصة حروب طويلة جرت عندما حاصر الإيخيون سكان اليونان مدينة “طروادة بآسيا الصغرى، وسقطت بأيديهم بعد مرور تسع سنوات. وتمثل الملحمة السنة الأخيرة من القتال ومن ثم اجتياح الإيخيين لطروادة. أما هذه الحروب فهى رغبة الإيخيين في استعادة “هيلين زوجة ملكهم مينيلاوس التي هجرته و هربت مع غريب هو “باريس” الطروادي إلى موطنه طروادة، وأخفقت كل الجهود في استعادة زوجة الملك بسبب أسوار طروادة المنيعة التي قاومت لمدة تسع سنوات، قبل أن تسقط في النهاية على يد بطل الملحمة الأسطوري “أخيل” أو “أخيليوس” أو “أكيليس” وكلها أسماؤه التي تشير الترجمات المختلفة إليه بها وتروي الأوديسة كل مغامرة كان يقوم أوديسوس سواء في بحر هائج أو في جزيرة مجهولة أو في مصارعة الشخوص والحيوانات الأسطورية أو الخرافية الهائلة وهكذا تنقضي مدة طويلة لحين العودة عبر أسفار خطرة مليئة بالإحباطات والتضحيات من قبل أصحابه المقاتلين، حتى يتمكن أن يسبح بسرعة مخترقاً البحر الهائج، ويصل بعد حين إلى الشاطئ وحده بسلام. وكما سنرى هنا في هذا الكتاب فإن عظمة ملحمتي هوميروس “الإلياذة” و “الأوديسة” تكمن في أنهما من أكثر الملاحم الخالدة إمتاعًا وروعة حيث تمثلان صراع الإنسان الأبدي مع نفسه، وكذلك الطبيعة، وقدرته على الانتصار في النهاية .
التعليقات
مسح الفلاترلا توجد مراجعات بعد.