ملكمن

في مدينة غير مسمّاة تلفت الأخت الوسطى الانتباه جراء سلوكها غير المألوف. فهي تقرأ بينما تمشي، مثلا. كما التحقت بصف ليلي في وسط البلدة لتتعلم اللغة الفرنسية. حينما يبدأ فرد من الجماعات العسكرية في ملاحقتها تصبح فجأة مثيرة للاهتمام» وهو آخـر مـا ترغب هذه الفتاة أن تكونه. خلال محاولات الأخت الوسطى لتجنّب هذا الرجل – وأثناء محاولاتها لتبقي والدتها بعيدة عن معرفة أمرها مع شبه الحبيب – تنطلق الشائعات حولهما وتتوالى عليها تهديدات العنف.

“ملكمن” قصة عن الكيفية التي تقع بها تداعيات جسيمة على المرء حتى حين لا يفعل شيئاً، في وقت ومكان يجلب فيه العلم المنبوذ والدين الخاطئ، بل وحتى النظر إلى غروب الشمس، دمارا للفرد. دشنت “مِلكُمَن” اسم آنا بيرنز بصفتها واحدة من أهم الأصوات السردية في وقتنا.

عمل أصيل مدهش، لم يقرأ أحد منا عملا أدبيًا مشابه له قط، صوت آنا بيرنز المتفرد كليا يتحدى الفكر والبناء التقليدي، بنثر خلاق غزير ومفاجئ، غزلت القصة عن مقاومة انتهاك جنسي وحشي بسخرية لاذعة…. منذ الافتتاحية تجذبنا مفرداتها إلى عنف عالمها اليومي، إذ ثمة تهديدات بالقتل وأشخاص قتلتهم فرقة اغتيالات الدولة، فيما تتعاطى هي مع مجريات حياتها حينما كانت شابة.

كوامي أنتوني أبيا، رئيس لجنة تحكيم جائزة مان بوكر لعام 2018.

مبدئياً، بائع الحليب شخص متواضع ومسالم لا يهابه أحد، لكن الأمر يختلف في الرواية هذه كلياً. أولاً لأن هذا الرجل الذي يطوف في شوارع المدينة خلف مقود شاحنة بيضاء صغيرة ليس بائع حليب حقيقياً. ثانياً، لأنه يملك سلطة في محيطه لا حدود لها، ومَن ينتقده أو يقاوم سلطته يصبح فوراً شخصاً مشبوهاً، لا بل خائناً. رجل لا يتردد في تهديد أي فتاة يتحرش بها بقتل حبيبها إن تجرأت على صده، كما يحدث مع الراوية، وهي فتاة في سن الثامنة عشرة مهووسة بالقراءة إلى حد ممارستها في كل مكان، بما في ذلك أثناء سيرها.

في هذه الرواية المكتوبة بصيغة المتكلم والفاتنة شكلاً ومضموناً، نرى هذه الفتاة، غير المسماة إلا بصفة “الأخت الوسطى”، تفعل ما في وسعها لمنع أمها من اكتشاف علاقتها بذلك الذي يحضر تحت تسمية “الحبيب المحتمل”، وأيضاً لإخفاء (على الجميع) أن “بائع الحليب” أوقفها يوماً في الشارع، ومذ ذاك بات ينتظر مرورها في أماكن مختلفة للتحرش بها. لكن حين يكتشف زوج أختها أمر هذه اللقاءات التي تمقتها، يشيع الخبر فتتسلط الأضواء عليها وتصبح محط اهتمام الجميع وموضوع نميمتهم، وهو أمر خطير في المحيط الذي تعيش فيه.