في هذه الرواية تكتب هند مطر التاريخ الخاص لمدينة بيروت وما شهدته من تحولات منذ الحرب الأهلية اللبنانية 1975 وحتى كارثة انفجار مرفأ بيروت 2020، فترصد المشهد السياسي من خلال “جيهان” بطلة الرواية، وما تحمله ثقل ذاكرتها عن وسط بيروت وعن عائلتها. فما بين استشهاد أبيها في الحرب الأهلية طفلة في بداية الرواية، واستشهاد أمها وأخيها في انفجار المرفأ في نهاية الرواية، تموت بطلة الرواية حيّة. وما بين البداية والنهاية تسير بطلة الرواية على خطى أبيها “الغائب” عن حياتها و”الحاضر” في وجدانها وأول خطوة هي السفر إلى فرنسا والتخصص في الصيدلة وحلم يراودها بإعادة فتح صيدلية والدها في وسط بيروت والتي أخذت من اسم المدينة عنواناً لها “صيدلية بيروت”، الصيدلية التي تشهد على خراب المدينة والتي دفع أبيها الصيدلاني حياته ثمناً لها مع انطلاق شرارة الحرب الأولى.
عبر هذا الخطاب الروائي تؤلف هند مطر لحمتها النصية، دامغة أفقها بصبغة البحث المحموم عن “ماهية المدينة”، ومعدن عراقتها، وأصالة أهلها وهم البيروتيين الشرفاء الذين حضنوا مدينتهم في كل الأوقات وفي أصعب الظروف. لأجل ذلك يكتسب خطاب هذه الرواية إيحائين، الأول (تاريخي- ثقافي) يكثف علامات التجلي المفارق لبيروت في إطارها الزمني والمكاني، ويعيد إنتاج تاريخها وحضورها كعلامة جغرافية محددة ضاربة في عمق الماضي، والثاني (عالمي- محلي) يصل صورة بيروت بتحولات جديدة مفخخة بالأهداف المشبوهة والاستراتيجيات المبهمة، المُعدة لها كمدينة عابرة لمختلف الأيديولوجيات والثقافات والانتماءات. من هنا يُمكن اعتبار “إمرأة من بيروت” دعوة للتفكير والعمل، تجاه المجريات، كي لا يتحول كل إنسان لبناني إلى رقم في عداد الضحايا، وكي لا يُفاجأ ويُقاد إلى ما تُحمد عقباه بعد فوات الأوان.
تختتم الكاتبة هند مطر روايتها “إمرأة من بيروت” بـ “كلمة” تقول فيها: “هكذا تمرُّ سنواتنا… وهكذا نعيشُ أيامنا وليالينا وكأننا بلا تاريخ وحضارة.
التعليقات
مسح الفلاترلا توجد مراجعات بعد.